هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    اجابات الخواجة على الأسئلة المتعلقة بكلمته ليلة العاشر من محرم

    الؤلؤة الذهبية
    الؤلؤة الذهبية


    عدد المساهمات : 340
    تاريخ التسجيل : 31/01/2011

    اجابات الخواجة على الأسئلة المتعلقة بكلمته ليلة العاشر من محرم  Empty اجابات الخواجة على الأسئلة المتعلقة بكلمته ليلة العاشر من محرم

    مُساهمة  الؤلؤة الذهبية الأربعاء 03 أغسطس 2011, 9:18 pm

    اجابات الخواجة على الأسئلة المتعلقة بكلمته ليلة العاشر من محرم بشأن الحسين الحقيقي والحسين المزيف.


    بالاستناد إلى المناقشات والإثارات العديدة والمتواصلة على صفحات ملتقى البحرين فيما يتعلق بكلمة الأستاذ عبدالهادي الخواجة في المنامة في ليلة العاشر من محرم بشأن الحسين الحقيقي والحسين المزيف، فقد تم توجيه مجموعة من الأسئلة إلى الأستاذ الخواجة وننشر هنا الأسئلة والإجابات.

    س1: هل هناك فعلا حسين حقيقي وآخر مزيف؟ وأين موقع اختلاف القراءات بين حسين وحسين آخر؟ ولماذا إطلاق الأحكام بالحقيقي والمزيف بناء على قناعات ذاتية؟
    ج1: الحسين بن علي بن أبى طالب (ع) شخصية تاريخية حقيقية، ولم يكن الحديث ليلة العاشر من محرم عن شخصية أخرى انتحلت شخصية الحسين (ع). و إنما كان المقصود هو الصورة الذهنية التي لدينا عن الحسين (ع)، فهي تقترب من الحقيقة كلما رجعنا للنصوص المباشرة والأحداث التاريخية الموثقة، وتظهر بشكل مشوه أو مزيف كلما أخفقنا في التوثيق التاريخي، أو كلما أسقطنا عليها أغراضنا وتوجهاتنا أو صفاتنا النفسية في السياق السياسي والاجتماعي والثقافي الذي نعيشه. مما ينعكس في تحليلنا وعرضنا لقضية الحسين، ويظهر في سلوكنا ومواقفنا في الحياة العملية. وهذا ينطبق على الجميع بما في ذلك المتحدث نفسه.
    لذلك فإننا إذا رجعنا إلى نص الكلمة ليلة العاشر فسنجد في مقدمتها التوضيح التالي:
    "إن السبب في هذا الوضع المتناقض والملتبس الذي نعيشه، والانفصام بين المعتقدات النظرية وبين أوضاعنا ومواقفنا في الحياة اليومية، هو أن هناك تشويش للرؤية لأن هناك صورتان للحسين:
    · الصورة الأصلية، وهي صورة الحسين الحقيقي، والموجودة في كتب كبار المؤرخين التاريخيين وكبار الكتاب والشعراء المعاصرين من مختلف الطوائف والملل، وموجودة في قصائد كبار الشعراء والخطباء، وهي والتي تعكس بوضوح كلام الحسين ومواقفه وبطولاته وتضحياته، وتوثق مجريات الأحداث التي لا تقبل التأويلات المتخاذلة
    · وصورة أخرى مزيفة يريد أن يكرسها الحكام، لكي لا يكون الحسين شوكة في خواصرهم أو صرخة تقض مضاجعهم، وهي صورة تتجاوب معها طبيعة نفوسنا الضعيفة الخائفة، ومصالحنا الدنيوية، والحسين نفسه يقول: "الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحيطونه ما درت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون".

    وقد جاء في الكلمة مثال تاريخي على الانفصام بين المعتقدات النظرية والمواقف العملية، وهو الانقلاب في مواقف أهل الكوفة الذين كانوا قد بعثوا بالرسائل والعهود للحسين، وفي طريق الحسين إليهم أخبره أربعة نفر قدموا من الكوفة عن أحوال أهلها فقالوا : "أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم، وملئت غرائرهم، يستمال ودهم، ويستخلص به نصيحتهم، فهم ألب واحد عليك. و أما سائر الناس بعد، فإن أفئدتهم تهوى إليك، وسيوفهم غدا مشهورة عليك".

    ومثال آخر نقرأه في تاريخ الطبري ومصادر أخرى، بأن ابن سعد (وهو فقيه ومعلم للقرآن) قد غلب عليه البكاء حين أمر بقتل الحسين[i] وذلك بعد أن قال مقولته المشهورة: "ااترك ملك الري والري منيتي .. أم أرجع مأثوما بقتل حسين". كذلك.. في مقابل الصورة التي كان الأئمة من أهل البيت يريدون ترسيخها عندما يحثون الناس على تذكر الحسين والبكاء عليه، هناك الصورة الأخرى القائمة على التزوير التاريخي التي كان يريد ترسيخها يزيد بن معاوية، فقد أمر بإقامة عزاء للحسين والعويل عليه، فقال لزوجته هند: "اعولي عليه يا هند، وابكي فانه صريخة قريش عجل عليه بن زياد فقتله قتله الله"[ii] وابن زياد كما نعلم هو والي يزيد على الكوفة والمؤتمر بأمره.
    وبالعودة إلى نص كلمة ليلة العاشر من محرم نجد هناك مقارنة بين صور ذهنية متعارضة للحسين (ع)، فالصورة التي وجدتها اقرب إلى الحقيقية هي صورة الحسين الذي هو حي يستنهضنا بكلماته وبمواقفه، وهو عابر للزمان والحدود الجغرافية، فكل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء. أما الصورة المقابلة لها فهي لحسين يأخذنا إلى التاريخ البعيد قبل 1400 عام ويجمدنا هناك، فلا نستطيع أن نربط قضيته بواقعنا ومواقفنا. وكل ما يمكننا أن نفعله أن نقيم الفواتح والبكائيات عليه، فيما نعيش الذل والهوان وانتقاص الحقوق.
    وهناك مقارنة بين صورة الحسين الذي لا يفرق بين الدين - بما هو عبادات فردية ومظاهر تعبدية وشعائر دينية- وبين السياسة بما هي مناهضة للحاكم الظالم والدعوة للحق والعدالة الاجتماعية. وفي المقابل هناك صورة الحسين الذي لا يمكن إحياء ذكراه إلا بفصل الدين عن السياسة والحقوق، وفصل التاريخ عن الزمن الحاضر، فنتكلم عن الظلم والانتهاكات وعن البطولات والتضحيات ولكن في التاريخ وليس الواقع المعاصر، وكذلك الفصل الجغرافي، بأن نتكلم عن البلاد الأخرى ولا نتحدث عما يجري هنا في البحرين.
    كذلك لدينا صورة الحسين الذي يقول "هيهات منا الذلة"، ويدعو للاستعداد للتضحية دفاعا عن الحق والكرامة. فيما الصورة المقابلة هي لحسين يدعو للتعايش مع الظلم والقبول بالذلة، ويدعو للأمان على النفس والعيال والوظيفة، وتحاشي استفزاز الظالم وتعريض النفس لغضبه.

    وهناك صورة الحسين الذي ردد قول الرسول (ص) "من رأي سلطانا جائرا مستحلا لحرام الله أو تاركا لعهد الله ومخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثم لم يغير عليه بقول ولا فعل كان حقا على الله ان يدخله مدخله" فجعل واجب المبادرة والتحرك أصيلا، وبالتالي فمن لا يقم بذلك عليه تقديم المبررات الشرعية او العملية. وفي المقابل هناك صورة الحسين التي يعكسها الذين يبررون الصمت والسكوت ويضعون شروطا تعجيزية لأي تحرك للمطالبة بالحقوق والدفاع عن المظلومين، بحجة عدم توفر الظروف أو الوقت المناسب أو بحجة حقن الدماء.

    كما ان لدينا صورة الحسين الذي تنعكس على سلوكنا ومواقفنا بطريقة تجعلنا مدافعين عن حقوق الناس، نضحي براحتنا ونعرض أنفسنا للمخاطر وبطش السلطة، وتعلمنا تحمل المسؤولية حتى وإن أدى ذلك بنا للتعرض للملاحقة والتهديد والسجن والتعذيب، بل حتى القتل وقطع الرؤوس كما حل بالحسين نفسه وبأفراد أسرته وصحبه. وفي المقابل هناك الصورة التي تجعل من الحسين وسيلة للتكسب والشهرة وتقوية العلاقات مع السلطة الظالمة باسم الحسين ومآتم الحسن ومواكب الحسين. فيصبح الحسين وسيلة للمصالح المالية والوجاهة الاجتماعية والحصول على المناصب، والعلاقات مع المسؤولين والوزراء.

    وهناك صورة للحسين تجعلنا نوجه جهدنا وبأسنا نحو الإصلاح ومحاربة الاستئثار بالسلطة والظلم ، وصورة أخرى تجعل بأسنا بيننا، فنختلف على المآتم ومواكب العزاء، ويفاخر بعضنا بعضا على عدد المريدين والمعزين، ويتحدى بعضنا بعضا حول طريقة إحياء الشعائر، في حين يبقى الظالم في مأمن منا، بل نحج إلى قصوره ومكاتب وزرائه لنحصل على المباركة، ورضا الأجهزة الأمنية، ونستلم الذبائح وأكياس الرز من يزيد العصر لنوزعها على محبي الحسين.

    وهناك صورة الحسين الذي يدعو الناس للنهوض وتحمل المسؤولية فيوجه الخطابات لشخصيات مكة والمدينة، ويرسل ابن عمه إلى الكوفة لاستنهاض الناس، ويعرج على مكة ويخطب في عامة الحجاج، ثم يتقدم الصفوف نحو ارض المعركة هو وأفراد أسرته بما فيهم الشباب والنساء. وفي المقابل هناك من يقدم لنا الحسين بشكل يتماشى مع دعوة الناس للبقاء في البيوت، والصبر على الظلم والمذلة، تحاشيا لغضب الظالم الذي قد يؤدي لإراقة الدماء، ويقول للناس هناك من سيتكلم نيابة عنكم، وهناك من سيتوسط للحصول على مصالحكم، وعليكم بالاستكانة والانتظار.

    كما إن هناك صورة الحسين القائد الفذ الذي يخطط سياسيا واستراتيجيا، ويختار طريقة إعلان العصيان السياسي في المدينة، ويختار كيف يوصل رسالته إلى معسكر الحاكم الظالم، وإلى الناس وإلى الأمم وإلى التاريخ رغم قلة العدد والعدة عبر صرخة هل "من ناصر ينصرنا"، وهو مبادر شجاع، واثق من نفسه وقضيته، أعلن الثورة والعصيان المدني فأنهى حكم الظالم وملكه ودولة قبيلته ولو بعد حين، فأصبح حجةً ونموذجاً للمستضعفين للنهوض ضد الظلم على مر الزمان. وفي المقابل هناك صورة لحسين تحرك بناء على ردة فعل لما قامت به السلطة، حيث وجد نفسه في مأزق مبايعة يزيد، واضطر للخروج من المدينة ثم مغادرة مكة وفرض عليه القتال، وهو حائر في أمره، يستعطف الأعداء من أجل شربة ماء له ولعياله، وإن خروجه ليس عصيانا أو ثورة و إنما هو أمر مقدر من السماء، لا أحد يدرك أسبابه. فالحسين هنا قصة استثنائية، وحالة تاريخية شاذه لن تتكرر.

    بعد كل هذه المراجعة للتوضيحات وللصور المتقابلة التي تم عرضها في ليلة العاشر، أقول بأن الاعتراض الذي ورد من البعض على استخدام صيغة "الحسين الحقيقي والحسين المزيف" كان اعتراض على الشكل والمصطلحات وليس على المضمون والمفاهيم، ولا أرى من جهتي أي مانع في التوافق على المصطلحات ما دامت تؤدي الغرض المطلوب. ولكن كانت هناك اعتراضات أخرى تمس المضمون والمفاهيم مثل تلك الواردة في السؤال الثالث والذي ستأتي الإجابة عليه.


    س2: ما علاقة التصنيف بين حسين حقيقي وآخر مزيف بالموقف من العريضة الشعبية لتنحية رئيس الوزراء؟ وما علاقة كلمة الخواجة ليلة العاشر بما قاله سماحة الشيخ عيسى قاسم بعد صلاة المغرب في نفس الليلة؟ وهل قصد من بعض فقرات الكلمة توجيه الانتقاد لمواقف بعض الرموز أو الجهات؟

    ج2: ما ورد في الكلمة التي ألقيتها ليلة العاشر هذا العام، لا يختلف في المضمون عما جاء في مجموع الكلمات والندوات التي قدمتها خلال السنوات السابقة، سواء في ذات المكان أو في أماكن أخرى. وقد تم إعداد الكلمة وإرسالها إلى الملتقى والى بعض الأصدقاء في ظهيرة يوم التاسع، أي قبل الكلمة التي تفضل بإلقائها سماحة الشيخ عيسى قاسم.

    وباستعراض نص الكلمة فإن الحاضر الأقوى فيها هو قضية الحسين نفسها والمفاهيم العامة المرتبطة بها وليس الاسقاطات المباشرة المتعلقة بحوادث سياسية طارئة كقضية العريضة الشعبية، أو التعرض لشخصيات بذاتها. وإن كان الفصل التام بين هذا وذاك غير ممكن سواء في الإيحاءات الفعلية للكلمة أو في ضرب الأمثلة من الواقع. ولكن هناك أيضا ما يريد أن يفهمه الناس وفقا لمواقفهم من المتحدث سلبا أو ايجابا، أو من قضايا الساحة بشكل عام. ولكن ما أود تأكيده هنا بأن عرض الصور المتقابلة للحسين الحقيقي والحسين المزيف لم يكن القصد منها أبدا صناعة قوالب وتلبيسها للناس بناء على انتماءاتهم الحزبية أو مواقفهم من قضية مثل العريضة الشعبية –كما حاولت جريدة الوطن تصويره- فهذا تبسيط مخل، وتحوير وتشويه للعبارات بشكل غير أمين، وتشكيك في المقاصد والنوايا.

    س 3: كيف يمكن التركيز على حركة الإمام الحسين (ع) وثورته، وهو إمام واحد من أصل 12 إماما في الوقت الذي نتناسى فيه البقية ومنهجهم، ونطالب دائما بتغليب هذا الواحد على منهج البقية، وفي نفس المورد، كيف يتم التوفيق بين الثورة على الظلم، والصبر على الظلم، والذي كما قال سماحة العلامة الشيخ عبدالجليل المقداد، قد يكون ثواب الصبر على الظلم أكثر من الثورة على الظلم؟
    ج3: إن المطالعة المعمقة لأقوال وسيرة الأئمة الاثنى عشر من أهل البيت (ع)، تدل على انسجام في المبادئ الأساسية وفي المنهج العام فيما يتعلق بالإصلاح السياسي الاجتماعي. وهم في ذلك في توافق كامل مع أقوال وسيرة الرسول (ص). ومن يقول بغير ذلك فانه سيجد نفسه في اختلاف مع عقائد الشيعة الإمامية.
    وعندما نتحدث هنا عن المبادئ الأساسية والمنهج العام، فليس المقصود الأساليب التي تختلف بناء على تنوع الزمن والظروف السياسية والاجتماعية العملية، والتي نجدها حتى لدى الشخصية الواحدة في ظروف مختلفة، كاختلاف أساليب الرسول (ص) بين حقبتي مكة والمدينة، أو اختلاف أساليب علي بن أبى طالب (ع) بين فترة الخلفاء وفترة حكمه، أو لدى الحسين (ع) بين فترة حكم معاوية وفترة تولي يزيد للخلافة.
    ما يمكن أن نسميه بمبادئ أساسية ومنهج عام، هو واجب تبليغ الرسالة، بما تحمل رسالة الأديان من إصلاح لدنيا البشر و آخرتهم، دون خشية من غير الله كما في الآية "الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلا اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيباً"[الأحزاب: 38]، وعدم الخشية هنا تستبطن التحدي والشجاعة اللازمة لأداء الرسالة و إحداث التغيير المنشود.
    وفيما يتعلق بالموقف من السلطة الظالمة يمكن ان يتضح المنهج العام في ما جاء في الحديث الثابت عن الرسول (ص) والذي أسس عليه الحسين (ع) حركته حين قال: سمعت رسول الله (ص) يقول"من رأي سلطانا جائرا مستحلا لحرام الله أو تاركا لعهد الله ومخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثم لم يغير عليه بقول ولا فعل كان حقا على الله أن يدخله مدخله"
    وباستعراض تاريخي سريع، فان الرسول (ص) عندما كان في مكة كان يبلغ الرسالة فيتبعه الفقراء والعبيد، "فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ" (هود - سورة 11 - آية 27). وكان رد فعل قريش العنيف ضد الرسول (ص) عائدا للتمرد الذي قام به هؤلاء المستضعفون، واعتبرت قريش الرسول (ص) محرضا "للأراذل" لتقويض الأعراف والقوانين والنظام السياسي الذي كان يحكم مجتمع مكة. وكان الرسول يقود بنفسه المسيرات السلمية إلى البيت الحرام متحديا العنف الجسدي والنفسي الذي كان يتعرض له هو و أصحابه. وحين هاجر إلى المدينة بادر إلى إقامة نظام سياسي اجتماعي جديد قائم على الحق والعدل وقاد الحروب بنفسه في سبيل الدفاع عنه.

    أما علي بن أبى طالب، فانه لم يدخل في صراع عنيف مع الخلفاء الثلاثة الذي سبقوه بشرط سلامة امور المسلمين وعدم الظلم والجور العام. وقد قال (عليه السلام) في خطبة له (لقد علمتم أني أحقٌ الناس بها من غيري، والله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جورٌ إلا عليّ خاصةً، التماسا لأجر ذلك وفضله وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه). ولكن المسالمة لا تعني التوقف عن المعارضة، ونتيجة لذلك فقد "وضع بيته تحت المراقبة الشديدة وانتهكت حرمته بدون لباقة، حتى بقي ابو بكر متأثرا ونادما ندما عصبيا على ما فرط منه، فقد فتش بيت علي تفتيشا حذرا من أن يكون قد أعد العدة لاحداث انقلاب يطيح بالحكومة القائمة. والسيدة فاطمة قبضت يدها عن ابي بكر فلم تبايع وتأثر الهاشميون حركتها فلم يبايعوا[iii]" وقد رفض علي تولي الخلافة بعد أبى بكر وعمر ولكن بشرط الالتزام بسيرتهما، والمقصود هنا طبعا سيرتهما في الحكم وإدارة المجتمع. كما قام أصحاب علي المقربين مثل أبو ذر الغفاري بالتوعية السياسية و إعلان الاحتجاج وخصوصا في فترة حكم الخليفة الثالث الذي تمكن فيه الامويون فانتشر التمييز والفساد الاداري والمالي، وتم فيها معاقبة المحتجين ومنهم أبو ذر بالنفي للصحراء والموت جوعا. ومن شدة نقد علي و أصحابه للوضع السياسي في عهد الخليفة الثالث، اعتبره البعض هو المحرض على الثورة التي اندلعت و أدت إلى قتل الخليفة.

    وحين أتت علي (ع) الخلافة بإجماع المسلمين، قبلها فقط بسبب مسؤولية العلماء في مقارعة الظالمين والدفاع عن الفقراء، فقال مقولته المشهورة: "لولا ما اخذ الله على العلماء من ان لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس اولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز" وحين تولى أمر المسلمين لم يتردد في تطبيق المبادئ التي يؤمن بها ولم يقبل بمداهنة الولاة الفاسدين بحجة حقن دماء المسلمين، فاضطر نتيجة لذلك لخوض القتال ضد أصحاب الجمل وضد الخوارج في النهروان وضد جيش معاوية في صفين. وقال علي في وصيته لابنه الحسن مكرسا منهج مقاومة المنكر والدفاع عن الحق: "..وانكر المنكر بيدك ولسانك، وباين من فعلك بجهدك، وجاهد في الله حق جهاده، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وخض الغمرات للحق حيث كان، وتفقه في الدين، وعود نفسك التصبر على المكروه..[iv]" وهنا ينكشف واضحا بأن الصبر في منهج أهل البيت يكون على نتائج تحمل المسؤولية وليس بديلا عنه.

    وعندما استشهد علي (ع) كان الحسن والحسين يعدان الجيش في النخيلة لمقاتلة جيش معاوية، وكان علي (ع) هو من قام بجمع ذلك الجيش ولكن بعد جهود مريرة، وبعد أن جال محرضا ومقرعا لاهل الكوفة ليهبوا للدفاع عن أعراضهم وعن دولة الحق، حتى خاطبهم قائلا: "يا أشباه الرجال ولا رجال..[v]" وقال لهم: " قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجَرَّعْتُموني نغب التهام أنفاسا، وأفسدتم عَلَيّ رأيي بالعصيان والخذلان[vi]". وما أن سمع أهل الكوفة بوفاة علي حتى تفرقوا عن ابنه الحسن (ع)، واستطاع معاوية إغراء قادة القبائل الكوفية بالأموال والمناصب مما لم يترك للحسن جيشا يقاتل به بما يحفظ النظام السياسي العادل الذي أقامه أبيه، فقبل مضطرا بالصلح مع معاوية، ولكن ضمن شروط مشددة لم يقبل فيها بشكل النظام السياسي واشترط في وثيقة الصلح عدم توريث الحكم، مما مهد فيما بعد للعصيان السياسي الذي أعلنه الحسين ضد توريث الحكم ليزيد بن معاوية. ورغم التزام الحسن بالصلح بمعنى إيقاف الحرب، إلا أن الحسن والحسين وأصحابهما لم يندمجوا في النظام السياسي القائم، بل واصلوا في انتقاده، وكان ذلك سببا في قتل العديد من مناصريهم على يد معاوية بل وصل الأمر إلى قتل الحسن بن علي نفسه باستخدام السم.

    أما عن الحسين (ع) فان سيرته منذ طفولته تعكس التمرد على الحاكم السياسي وليس المداراة والخضوع. فقد "روي عن الحسين (ع) انه قال: أتيت عمر وهو يخطب على المنبر فصعدت إليه فقلت: انزل عن منبر أبى واذهب إلى منبر أبيك، فقال عمر: لم يكن لأبي منبر. و أخذني فأجلسني معه اقلب حصى بيدي، فلما نزل انطلق بي إلى منزله، فقال لي: من علمك؟ قلت والله ما علمني أحد..[vii]" وكان الحسين طوال حياته معارضا للحاكم الجائر ومجاهرا بالحق ومدافعا عن الحقوق، وخير دليل رسالته إلى معاوية[viii] فقد خاطب معاوية مقرعا ومنتقدا: ".. الست القاتل حجر بن عدي اخا كندة واصحابه المصلين العابدين، الذين كانوا ينكرون الظلم ويستفضعون البدع ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولا يخافون في الله لومة لائم.. فابشر يا معاوية بالقصاص، واستيقن بالحساب،واعلم ان لله تعالى كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وليس بناس لأخذك بالظنة، وقتلك أولياء الله على التهم، ونفيك إياهم من دورهم إلي دار الغربة.." والعبارة الاخيرة كما نرى تتضمن الاحتجاج على الاعتقال التعسفي والقتل دون قضاء عادل والنفي من البلاد.

    وكان رفض الحسين مبايعة يزيد بعد وفاة معاوية انعكاسا لذات المنهج والمبادئ، ولم يتخذ ذلك الموقف متسرعا أو متهورا أو مضطرا. وكانت استجابة الحسين لدعوة أهل الكوفة هي وسيلة بناء القوة لمقاومة فرض يزيد نظام الحكم بالإكراه، وكان حمل الحسين للسلاح في كربلاء يوم عاشوراء هو دفاع عن النفس وتضحية في سبيل المبادئ والقيم، وكشفا للاستبداد السياسي والفهم الخاطئ للدين. وكان بإمكان الحسين (ع) القبول بمبايعة يزيد بحجة الصبر أو كحيلة سياسية حتى تحين الفرصة المناسبة بدلا من تعريض نفسه واهل بيته للأخطار وإراقة الدماء. وبعد عاشوراء قامت زينب أخت الحسين وكذلك الامام الرابع للشيعة علي بن الحسين (ع) بالترويج لما قام به الحسين، وهكذا فعل الأئمة من أبناء الحسين واحد بعد الآخر، مما شجع الثورات والتمرد والعصيان السياسي، وأودى بدولة الأمويين ثم زعزع حكم العباسيين، وأقام دويلات متمردة عليهم وموالية لأهل البيت. وكان هؤلاء الحكام جميعا يحملون الأئمة العلويين مسؤولية التحريض والثورات، فكانوا يشددون في عزلهم والتربص بهم وسجنهم - كما فعل هارون الرشيد بالإمام موسى الكاظم- ومن ثم القضاء عليهم وذلك مصداقا للحديث الذي نقله الحسن بن علي عن الرسول (ص):"..ما منا الا مقتول او مسموم[ix]". ولو كان نهج أئمة أهل البيت المسايرة السياسية للحكام السياسيين المستبدين فلماذا تعرضوا لكل ما تعرضوا له؟ حتى الإمام الرضا (ع) الذي أراد الخليفة العباسي المأمون أن يحتويه ويكسب ولاء اتباعه بتوليته ولاية العهد، فقد رفض الاندماج في الحكم وذلك بعدم قبول إمضاء أية سياسة أو أي قرار للسلطة، وانتهى به الأمر ليموت مسموما. كما انتهى الأمر بالإمام الثاني عشر محمد بن الحسن المهدي إلى الاختفاء هربا من ملاحقة أجهزة الحكم في ذلك الوقت.

    ويبقى الإمام الحسين (ع) هو الحلقة الأبرز والمثال الأكثر وضوحا على منهج التصدي للظلم، والنموذج الابرز على التضحية من اجل الإصلاح السياسي والاجتماعي. ولذلك لا ينظر الشيعة الإمامية اعتباطا لقول الرسول (ص) "حسين مني و أنا من حسين" حيث يعتبرون الإسلام محمدي الوجود وحسيني البقاء. وقد ورد في حديث عن الرسول محمد (ص): (إن الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة وإمام خير ويمن وعز وفخر وبحر علم ذخر)، وقال الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع): (كلنا سفن نجاة وسفينة الحسين أسرع).

    و أخيرا.. فقد نتفق أو نختلف في بعض التفاصيل التاريخية التي وردت في العرض السابق، ولكن سيرة الرسول (ص) و الأئمة من أهل البيت (ع) لا تكشف عن منهج المهادنة السياسية بمعنى الاندماج بالأنظمة السياسية الظالمة والسكوت عن الظلم والانحراف بحجة الصبر أو حقن الدماء، و إنما تكشف جليا عن التحدي والرفض في الخطاب، وكذلك في العمل الميداني باتجاه الإصلاح والتغيير وان كان ذلك بأساليب مختلفة وفقا للمقتضيات والظروف العملية. والصبر في هذا السياق هو صبر على المخاطر والصعوبات المتأتية عن تبليغ الرسالة والتصدي للحاكم الجائر، وليس الصبر بمعنى التخلي عن القيام بالمسؤولية، أو الاستسلام للخوف. وهكذا فان سورة العصر تربط بشكل وثيق بين الإيمان وعمل الصالحات وبين التواصي بالحق والتواصي بالصبر.


    س4: كيف يوفق الخواجة بين اختصاصه في حقوق الإنسان، وبين الكلام في مجال عقائدي ديني كقضية الإمام الحسين (ع)؟ وأين هي حدود الخواجة فيما يقوله وحدود الفقيه فيها؟

    إن مخاطبة الجماهير بغرض الإصلاح الاجتماعي ونشر ثقافة حقوق الإنسان، هي عملية تتداخل فيها علوم واختصاصات مختلفة منها التاريخ والعقائد والسياسة وعلم النفس الاجتماعي والقانون. ولو اشترطنا وجود جميع هذه الاختصاصات في كل من يريد التحدث في قضية الإمام الحسين إلى الناس، فلن يكون هناك عمليا من يحق له التحدث في هذه القضية لا من الخطباء ولا رجال الدين ولا الأكاديميين ولا المصلحين ولا المدافعين عن حقوق الإنسان. وسنكون بذلك قد عطلنا حرية الرأي والتعبير، وعطلنا الاستفادة من التاريخ والشخصيات التاريخية في التوعية والإصلاح الاجتماعي ونشر ثقافة حقوق الإنسان وذلك بحجة عدم الاختصاص.

    نعم.. لابد لكل خطيب ومصلح ومدافع عن حقوق الإنسان من تحصيل الرؤى والأفكار من ذوي الاختصاص ومن المصادر المعتبرة في جميع تلك المجالات، وذلك يضفي العلمية والمصداقية والتأثير العميق. وبذلك فنحن دوما بحاجة للمختصين من الباحثين والأكاديميين والعلماء، ولكن لا تقتصر على هؤلاء فقط مهمة مخاطبة الجمهور والأخذ بيدهم نحو التغيير، فكبار المصلحين في التاريخ ليسوا بالضرورة من ذوي الاختصاص الأكاديمي والعلمي، ولكنهم تمتعوا بالبصيرة والرؤية وسعة الاطلاع والمعرفة بطبائع البشر وحاجاتهم مما مكنهم من التأثير وإحداث التغيير.

    والغاية الأساسية لنشر ثقافة حقوق الإنسان هي الإصلاح الاجتماعي، ولذلك يتم تدريب العاملين في مجال نشر وتعزيز حقوق الإنسان على تأصيل مبادئ حقوق الإنسان من خلال ثقافة المجتمع المتصلة بعقائده وتاريخه وعاداته الاجتماعية، وتكون من مهام المصلح والمدافع تحفيز الأفراد والمجموعات على المبادرة والتحرك في الدفاع عن حقوقهم وحقوق الآخرين وذلك من خلال عرض قيم ونماذج مستقاة من تاريخهم وثقافتهم، ما دام ذلك لا يتعارض مع أصول مبادئ حقوق الإنسان القائمة على حفظ الكرامة وعدم التمييز والحرية.

    إن ما يقوم به أو يقوله المصلح الاجتماعي أو المدافع عن حقوق الإنسان أو خطيب المنبر الحسيني هو حق وواجب في ذات الوقت، وهو بمثابة التوعية والتوجيه العام والتحفيز. أما ما يفتي به الفقيه الديني من حكم شرعي فهو ملزم لمريدي واتباع ذلك الفقيه بناء على قناعاتهم في اختيار ذلك الفقيه، و إرادتهم الحرة في اتباعه، وقرارهم بالالتزام بفتاواه بشكل مطلق أو في مجالات معينة. وان ذلك من حقهم وهو جزء لا يتجزأ من حرية ممارسة العقيدة الدينية، بشرط أن لا يكون في ذلك تعد على حقوق من يؤمنون بفقهاء دينيين آخرين أو مدارس فكرية أخرى.

    وفي ختام هذا الحوار.. اعتذر عن الإطالة والقصور، وأقر بأن جميع ما جاء في كلمتي ليلة العاشر أو تضمنته إجاباتي هذه ما هو إلا محاولات للفهم والمساعدة على الفهم، وكل قول أو عمل بحاجة للتقييم والنقد، وذلك بهدف التطوير والتقدم نحو الأفضل.


    [i] تاريخ الطبري(تحقيق ابو الفضل ابراهيم) 5 : 452 ، مقتل الحسين للخوارزمي 2 : 35.

    [ii] بحار الأنوار 45 : 143 ، كذلك انظر تاريخ الطبري 5 : 465

    [iii] تاريخ الحسين: نقد وتحليل – الشيخ عبدالله العلايلي – دار الجديد - ص 192

    [iv] تاريخ الحسين: نقد وتحليل – الشيخ عبدالله العلايلي – دار الجديد - ص 188

    [v] نهج البلاغة، ص 58 خطبة رقم 27

    [vi] نهج البلاغة 70، 71

    [vii] راجع الاصابة لابن حجر العسقلاني، ج2، ص 15. قال ابن حجر سنده صحيح

    [viii] راجع الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج1 ص284

    [ix] قول الإمام الحسن المجتبى عليه السّلام: لقد حدّثني حبيبي جدّي رسول الله صلّى اللهعليه وآله أنّ الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته، ما منّا إلاّ مقتولأو مسموم
    [/QUOTE]
    __________________

    ونحن على اعتاب شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة والتوبة والمغفرة
    اتقدم برسالة إعتذار شديدة الخجل ملئها الحب والمعزة لكل عضو/ة ـ الموقوفين منهم والمفعلين ـ أسأت إليه أو خاطبته بفضاضة أو ظلمته {فاصفح الصفح الجميل} {إن الله كان عفوا غفورا} وعن أمير المؤمنين "ع" ( العفو تاج المكارم )
    واوصيكم بالإلتزام بالقوانين خلصتون دفتر المخالفات!

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 17 مايو 2024, 7:06 pm